[center]سم الله الرحمن الرحيم
لقد اختص الله سبحانه وتعالى شهر رمضان دون سائر الشهور بنزول القرآن الكريم ، قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
كما اختصه سبحانه وتعالى بليلة عظيمة الشأن ، شريفة القدر ، ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى : ( ليلة القدر خير من ألف شهر). وفي هذا الشهر الكريم ، وفي السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة انتصر الله سبحانه وتعالى لعباده الموحدين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين المعاندين في معركة من معارك العقيدة ألا وهي غزوة بدر الكبرى التي فرق الله فيها بين الحق والباطل. كذلك فقد شهد هذا الشهر تحرير قبلة المسلمين من براثن الشرك ، بعد أن أذن رب العزة والجلال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بفتح أم القرى في السنة الثامنة من الهجرة النبوية.
هذه المنزلة العظيمة لشهر رمضان جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوق دائم إليه ، ويحث أصحابه على اقتناص أيامه ولياليه بالصيام والقيام إذ يقول صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا ًواحتساباًغفر له ما تقدم من ذنبه). ويقول : ( إذا دخل شهر رمضان فتحت ابواب السماء وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين ).
وعلى هذا النهج من الشوق والتوقير لشهر رمضان سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من التابعين وسلف الأمة الصالح. وذكرت عنهم في طريقة عيشهم في رمضان أخبار من العبادة والاجتهاد في الطاعة بأعمال جليلة، منها القيام ، وتفطير الصائمين ، والعمرة ، والصدقة ، وقراءة القرآن ، والاعتكاف ، والدعاء ، والتوبة من الذنوب ، والاجتهاد في العمل مطلقاً في العشر الأواخر.
لقد ارتبط شهر رمضان في ذاكرة الأمة المسلمة بالعزة والكرامة ، ابتداءً من غزوة بدر الكبرى ، التي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون في أول رمضان يصومه المسلمون ، لذا فقد حرص أعداء الأمة المسلمة في هذا العصر على تفتيت هذا الارتباط الحيوي الذي يجمع المسلمين بهذا الشهر الكريم ، وراحوا يعملون من أجل ذلك على محورين:
الأول : العمل على جعل شهر رمضان بالنسبة للأمة المسلمة شهراً للمآسي والنكبات ، وهذا مشاهد في البلدان الإسلامية مثل : فلسطين ، والعراق ، وأفغانستان ، والشيشان ، وغيرها.
الثاني : السير بخطوات حثيثة نحو علمنة شهر رمضان ، وذلك من خلال تفريغ هذا الشهر الكريم من محتواه الذي أراده الله سبحانه وتعالى ، فبدلاً من أن يكون رمضان محطة إيمانية ، ووقفة للمحاسبة والمراجعة ، نجده تحول بفعل وسائل الإعلام إلى شهر من شهور ألف ليلة وليلة ، ليس على مستوى الطعام والشراب فقط ، بل على مستوى العـفة والفضيلة التي تنحر من الوريد إلى الوريد في القنوات الفضائية العربية ، حيث تحول معظمها إلى أندية ليلية ، وكباريهات فضائية ، راحت تتفنن في محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، تحت مسمى السهرات الرمضانية ، والخيام الرمضانية ، ولسان حالها يقول : يا باغي الشر أقبل ، ويا باغي الخير أقصر.
ومهما يكن من أمر فإن المحزن في هذه القضية أن علمنة رمضان ، والمؤامرة عليه تتم بأموال رجال الأعمال المسلمين ، الذين يملكون معظم تلك القنوات الفضائية ، فهل هذا هو جزاء إحسان الله إليهم ؟! أم يريدون أن يكونوا مثل قارون الذي كفر بأنعم الله ؟! قال تعالى : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين).
وختاماً أيها القارئ الكريم فإنه ينبغي علينا أن نحمي صيامنا وقيامنا من قراصنة الأجر والثواب ، في تلك القنوات الفضائية ، الذين يترصدون للأسرة المسلمة في كل ليلة من ليال رمضان ، وليكن شعارنا جميعاً :
حييت يا شهر العبادة والتقى
حييت يا شهر البطولة والفدى
حييت يا شهر المكارم والندى