the small boody Admin
عدد الرسائل : 276 العمر : 31 اين تعيش؟ : In My mind With my AllaH العمل/الترفيه : طالب على ما ربنا يفرجها الحالة النفسية : كويس {طول ما أنا معاكو على المنتدى} تاريخ التسجيل : 01/09/2008
| موضوع: مدى حاجتنا إلي الأدب الإسلامي الخميس سبتمبر 11, 2008 12:55 am | |
| حاجتنا إلى مذهب أدبي :
في العالم الذي نحيَىٰ فيه اليوم ، تياران اجتماعيان كبيران يسعى كل منهما جاهدًا لبسط نفوذه على المعمورة ومقاومة نفوذ التيار الآخر. هذان التياران هما: تيار الاشتراكية الذي كان يرفع لواءه الاتحاد السوفياتي – الذي تلاشى منذ سنوات – والصين الشعبية وتيار "الرأسمالية" الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية .
ثم يأتي بعد هذين التيارين الاجتماعيين الكبيرين طائفة من الاتجاهات الفكرية والفلسفية والأدبية ظهرت في أوروبا الغربية وأمريكا أكثر من ظهورها في الاتحاد السوفييتي لما يتمتع به الفرد هناك من حرّيات حرم إيّاها مواطنو الاتحاد السوفييتي .
وأبرز هذه الاتجاهات الفكرية هي :
- الوجودية – والواقعية – والفنية – والرمزية.
ولقد عمدت هذه الاتجاهات الاجتماعية والفكرية إلى الأدب، فاتخذت منه سلاحًا تناضل به عن نفسها، ومنبرًا تعلن من فوقه مبادءها وأهدافها، ومثالاً تصوغ على غراره أبناءها ومؤيديها، حتى قال "ستالين"(22) "عن الأدباء": إنهم مهندسو البشرية(23).
ولم يكن هؤلاء وهؤلاء على خطأ فيما ذهبوا إليه من اعتمادهم على الأدب في نشر مبادئهم والترويج لمذاهبهم؛ فللكلمة سحرُها الذي لا يقاوم، وللأدب قدرته التي لا تدفع على غزو النفوس، والتأثير في العقول، وصياغة الوجدانات، وتوجيه السلوك .
ألم يعتمد الإسلام من قبل على الكلمة في إيصال دعوته إلى القلوب وغرسها في الأفئدة؟
ألم تكن معجزة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) بيانية؟
ألم يسلم عدد كبير من أشداء العرب بفعل القرآن وقدرته الفذة على استلانة القلوب القاسية؟
ألم يصف الله الكلمة الطيبة في محكم كتابه : "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثـَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْنَ"(24).
وقد كان من ثمرة التيارات الاجتماعية والمذاهب الفكرية ظهورُ طائفة من المذاهب الأدبية ذوات الأصول المؤصلة والقواعد المقررة .
ونحن لو أمعنّا النظر في هذه التيارات الاجتماعية والمذاهب الفكرية لوجدناها جميعًا قد انبثقف عن نظرة أصحابها إلى الإنسان والحياة؛ فدعاة "الرأسمالية" وأغلب زعماء الاتجاهات الفكرية القائمة في أوربا الغربية وأمريكا يدينون بفردية الإنسان وحريته التي تمتد إلى حدّ الحيف على الآخرين، ويطلقون له العنان إطلاقًا لا تحرّج فيه ولا تأثم، ويتيحون له أن يتصرف في أمواله تصرفًا ربما أدى إلى استغلال الآخرين وإعناتهم، ويفتحون له الأبواب ليلج منها إلى الثراء الفاحش الذي يفسد العلاقة بين الناس، ويشيع فيهم العداوة والبغضاء .
ويرون أن ذلك حق من حقوق الإنسان، وتعبير عن ذاته، وتأكيد لوجوده .
والاشتراكيون على النقيض من ذلك ؛ فهم يدينون بجماعة الفرد، وأنه ذرة صغيرة في كون كبير، ويرون أن من حق الجماعة الممثلة في الحزب والدولة أن تفرض سلطانها على الأفراد إلى حد يمكنها من أن تحدد لكل منهم عمله ورزقه، وتفرض عليه أفكاره وطريقة نظرته إلى الحياة .
ولسنا الآن في صدد مناقشة هذه النظريات إلى الإنسان والحياة فهي جميعًا – في نظرنا معشر الإسلاميين – خاطئة ومخالفة لسنن الحياة وفطرة الإنسان .
ولكننا نريد أن نتساءل عن الملايين الذين ينتشرون على أوسع رقعة من المعمورة تمتد من المحيط الأطلسي غربًا إلى الهند شرقًا ويدينون بالإسلام، ويؤمنون بنظرته الربانية إلى الإنسان والكون والحياة ما شأنهم في هذا المضمار؟ وما المذهب الأدبي الذي ينتمون إليه؟
أليس من حقهم أن يكون لهم مذهب أدبي متميز القسمات، واضح الغايات؛ ليعبر عن نظرتهم إلى الإنسان والكون، ويوضح عقيدتهم في خالقهما، ويحدد موقفهم من الدنيا والآخرة، وليتخذوا منه وسيلة لنشر دعوتهم في الآفاق، وليقدموا من خلاله للإنسانية بعامّة ولأجيالهم المؤمنة بخاصة أدبًا نافعًا ممتعًا، فتشتعل نفوسهم بما فيه من حرارة الإيمان، وتغذي عقولهم بما حفل به من فكر نيّر، وتوجيه خيّر، وينصرفون بروعته وجماله ونقائه وسامي توجيهه عن ذلك الأدب الذي تقذف به المطابع في كل صباح .
إننا معشرَ المسلمين بحاجة اليوم – أكثر من أي يوم مضى – إلى منهج لأدبنا الإسلامي المنشود؛ ذلك لأننا نتعرض في هذا العصر لغزو فكري ووجداني وحضاري ما عرفنا له نظيرًا من قبل .
والأدب الأصيل الهادف من أمضى أسلحتنا لمقاومة هذا الغزو، والوقوف في وجه تياره الجارف.
إن الحركات الإسلامية المعاصرة قد أسدت للإسلام والمسلمين يدًا مذكورًا مشكورة؛ فهي إذا كانت لم تحقق لنفسها كسبًا سياسيًا في مجال الحكم، فقد استطاعت أن تحقق للمسلمين كسبًا فكريًا في مجال توضيح أصول الإسلام وتحديد مواقفه من كثير من القضايا المعاصرة، والكشف عن قدرته على استيعاب الحياة المتطورة المتجددة، والتصدّي لخصومه المنتشرين في كل مكان .
لكنّ هذه الحركات نسيت أو تناست أن الدعوة إلى الله لا تقتصر على البحوث العلمية، والدراسات المنهجية، والحجج المنطقية وحدها، وإنما هي بحاجة أيضًا، لأن تقدم مبادئها للناس في حلل من الأدب الرفيع الذي تلذّه النفوس، وتشتاق إليه القلوب، وتقبل عليه إقبال الظماء على الماء البرود في اليوم القائظ .
وهو أمر فطن إليه أسلافنا الكرام وسلاحٌ أحسنوا استخدامه . يحدثنا التاريخ كيف استعمل المسلمون هذا السلاح في ساعات الشدة أحكم استعمال وأذكاه وأبعده تأثيرًا في النفوس .
ففي القادسية – مثلاً – جمع سعد بن أبي وقاص(25) القراء وذوي الرأي وأصحاب النجدة والمروءة؛ ولكنه لم يقتصر عليهم وحدهم وإنما جمع معهم الشعراء والخطباء أيضًا. وكان في جملة الشعراء: الشماخ(26)، والحطيئة(27)، وأوس بن معزاء(28) ودفع بهم إلى ساحات القتال، وقال لهم قبل أن يرسلهم : "انطلقوا فقوموا في الناس بما يحق عليكم ويحق لهم عند مواطن البأس . إنكم شعراء العرب وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم، فسيروا في الناس ، فذكروهم ، وحرضوهم على القتال . فساروا فيهم"(29).
وتتابع الخطباء والشعراء على كتائب المسلمين يلهبون المشاعر، ويثيرون الحفائظ، ويشدون العزائم.
وتوجّ سعد تلك الحملة الأدبية الرائعة بأن أمر أحد القراء بأن يقرأ في الناس سورة الجهاد(30).
وكان المسلمون كلهم يتعلمونها فقرأها على الكتيبة التي تليه، فقرئت في كل كتيبة؛ فهشت قلوب الناس وعيونهم، وعرفوا السكينة مع قراءتها(31).
وفي عهد النبوة المبارك استخدم النبي (صلى الله عليه وسلم) الأدب في الانتصار للإسلام وشرعته، والذّود عن المسلمين ونبيهم، والإشادة بالانتصارات، والتخفيف من وقع الهزيمة.
ولقد كان الفنان الأدبيان لدى أسلافنا هما الشعر والخطابة فاستخدموهما أحكم استخدام .
وإننا لعلنا يقين لو أنهم عرفوا هذه الفنون الجديدة المستحدثة لانتفعوا بها في بث دعوتهم على أوسع نطاق.
ومن سوء الحظ أن أدباءنا الإسلاميين في العصر الحديث قد تخلَّوا لغيرهم عن الفنون الأدبية الحديثة، وانصرفوا إلى قرض الشعر وكتابة المقالات، وإعداد البحوث ظنًا منهم أن بين الدين وبين القصة والمسرحية جفوةً تصل إلى حدّ القطيعة.
وقد غفل أدباؤنا عن أن القرآن الكريم استخدم الفن القصصي لتحقيق مقاصده السامية أوفى استخدام، واعتمده وسيلة ناجعة للإرشاد والتوجيه والعظة والعبرة.
لقد كان جديرًا بأدبائنا الإسلاميين أن ينتزعوا هذا الفن القصصي لصلتهم الوثقى بالقرآن، ووقوفهم الدائم على ما قدمه من نماذج رائعة للقصة .
ولا يعلم إلا الله مدى النكبة التي حلت بالأدب الإسلامي من جراء هذا التخلي، ولا مبلغ الخسارة التي لحقت بالمسلمين بسبب ذلك .
لقد غصت مكتباتنا الخاصة والعامة خلال النصف الثاني من هذا القرن بآلاف القصص الموضوعة والمترجمة، وأقبل عليها أبناؤنا وبناتنا إقبالاً فاق كل تقدير، وعبّوا من سمومها وموبقاتها الشيء الكثير؛ ففسدت أخلاق كثير منهم، وتزعزع إيمانهم، واتجهوا اتجاهات تسرّ العدو وتحزن الصديق.
لقد آن الأوان لأن نرجع إلى أنفسنا، ونجنّد طاقات شبابنا الموهوبين لاقتحام هذه الساحة، فما يزال فيها حتى اليوم موطئ لأقدامنا، وما نزال بين جماهير القراء أفئدة تهفو للأدب النظيف .
إن علينا و على مفكرينا، على مؤسساتنا العلمية والأدبية، على أدبائنا الذين يغارون على الإسلام وأبنائه أن ندرك بأننا إذا لم نلبّ حاجات النفوس المؤمنة إلى أدب نظيف يغذّي إيمانها ويزكّي فطرها، فلا بد من أن تبحث لنفسها عن أدب آخر قد تجده عند فلان أو فلان ممن ملأوا الدنيا بالآثار التي تفسد الفطر السليمة، وتقوّض الأخلاق الكريمة، وتعمل على إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا .
لقد سمعنا أكثر من دعوة أطلقت على المنابر لمقاطعة المجلات الخليعة، والقصص الفاجرة؛ ولكن هؤلاء الدعاة قد غفلوا عن أن تلك الشرور لا تقاوم بخطبة يلقونها على المنابر، أو صرخة استنكار يطلقونها في المحافل ، وإنما تتم بالعمل الإيجابي البنّاء، فلأن توقد شمعةً واحدة خير لك من أن تسبّ الظلام ألف مرة .
وإذا كنا نريد التصدي لهذا الغزو الهائل من الفنون المنحرفة المدمرة التي تشيع الإباحية والانحلال بين الناس فلا يكون ذلك باستنكارها أوالإعراض عنها، ولا يتحقق بالصراخ والعويل – كما يقول الدكتور نجيب الكيلاني(32) – وإنما يكون بالعمل الإيجابي البنّاء؛ وذلك بأن نواجه الأدب الذي لا نريد بالأدب الذي نريد(33).
وبكلمة موجزة لا بد لنا من أن نقدم للناس البديل، ولنكن على ثقة بأن هذا البديل الخيِّر الطيب الأصيل سيلقى من أكثر الناس القبول والإقبال، لأن الناس ميّالون يفطرهم إلى الخير مؤثرون له.
ونحن حين ندعو إلى أدب إسلامي يعبّر عن روح العصر ويعالج قضايا المسلم المعاصر، ويصور أشواقه لا نريد أن نولّي ظهورنا لأدبنا الإسلامي القديم ، وإنما نريد أن نستمد منه، وأن نبني عليه، وأن نصل حاضر هذا الأدب بماضيه .
ومن الحق علينا أن نقرر بأن أدبنا الإسلامي القديم قد أدّى رسالته في الماضي أداء يثير الإعجاب؛ فلقد وقف منذ فجر الإسلام سندًا للدعوة، وظل على مرّ التاريخ يهاجم الأوضاع الفاسدة، ويتصدّى للفرق الزائغة، ويخلص النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين .
وقد ارتبط الأدب الإسلامي في كل زمن مع قضايا عصره، وتلاحم معها تلاحماً مثيرًا للدهشة؛ فقد تصدّى للزندقة والزنادقة، ووقف في محنة خلق القرآن موقفًا صلبًا كريمًا، وقال فيها كلمتَه التي يجب أن تقال، ومجّد البطولات الإسلامية، ونوّه بالأبطال والمواقف .
فلما غزا الصليبيون ديار المسلمين، هبّ هذا الأدب يثير العزائم ويضمّد الجراح،ويهنئ المسلمين بالنصر إذا انتصروا، ويخفف من أثر هزيمتهم إذا انهزموا، ويدعو إلى مواصلة الكفاح ويحضّ عليه ويرغّب فيه .
ولم يكن موقفه من غزو التتار بأقل من موقفه من الغزو الصليبي .
وإذا كان أدبنا الإسلامي القديم قد عبّر بكفاية عن عصوره ومشكلاتها وقضاياها وناسها، فمن الخطأ أن نطلب منه التعبير عن عصرنا ومشكلاتنا وقضايانا وناسنا..
إنّه ليس من المنطق في شيء أن نطلب من أدبنا الإسلامي القديم أن يعالج أوضاعنا الحاضرة، وإن في هذا الطلب تعسّفًا يشبه تعسّفنا فيما لو طلبنا من أدبنا المعاصر أن يعالج الأوضاع التي ستُوْجَدُ بعد ألف عام .
وكما نحن بحاجة إلى أدب إسلامي معاصر يواكب حياتنا، ويعبر عنها، فنحن بحاجة إلى نقد إسلامي معاصر يواكب هذا الأدب ويؤصل له أصوله ويضع له معالمه وصُواه .
نعم، نحن بحاجة إلى مذهب إسلامي في الأدب ونقده(34). | |
|